منتديات بــــلال الســــنوسي الاسلامية
بسم لله والصلاة والسلام علي الحبيب المعصوم نحن نكون سعداء بك بين اخوتك في وفي حب الحبيب وال البيت الطيبين اسرة طيبة تتمنا رضاء الله عليها وتكون من اهل الجنة
منتديات بــــلال الســــنوسي الاسلامية
بسم لله والصلاة والسلام علي الحبيب المعصوم نحن نكون سعداء بك بين اخوتك في وفي حب الحبيب وال البيت الطيبين اسرة طيبة تتمنا رضاء الله عليها وتكون من اهل الجنة
منتديات بــــلال الســــنوسي الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات بــــلال الســــنوسي الاسلامية


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
كلمة مدير المنتدي(((سفير النوايا الحسنة))): منتديات بلال السنوسي الإسلامية  ترحب بــــــــكم  وتتمني لكم ان تستفيدوا من الكم الهائل من الاحاديث الشريفة والمعلومات الاسلامية والسيرة الذاتية للصحابة وألـ بيت رسول الله (ص). ورحانيات اهل البيت الطيبين  (واخيراا وحصرياا تحت سماء منتديات بلال السنوسي ألأسلامية)ابتهالات دينية وتواشيح لكبارالشيوخ المصرية والعربية وغيرهم من بلدان العالم (مع تحيات سـفـير الــنوايـا الـحسـنة (ونـتـظرونا انشاء اللــه لنقدم لكـم كل ماهو قـديـم وجـديـد ونـادر) (وحصري ومميز ) وفــقــنا (اللـــــه) ســبـحا نــــة وتــعالــي (جــميعا الي خــدمــة كــتـــابة) الكــــــريـــــم

 

 مع فتح سمرقند الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سفيرالنواياالحسنة
صاحب الموقع والمديرالعام المسئول
سفيرالنواياالحسنة


هذا العضو حاصل على وسام : مع فتح سمرقند الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد  Ebda3
ذكر
عدد المساهمات : 3321
نقاط : 10324
حبيب الرسول كبير : 0
تاريخ التسجيل : 30/03/2010

مع فتح سمرقند الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد  Empty
مُساهمةموضوع: مع فتح سمرقند الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد    مع فتح سمرقند الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد  I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 08, 2011 2:45 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله...
ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية: أنه لما احتضر عبد الملك بن مروان، دخل عليه ابنه الوليد فبكى، فقال له عبد الملك: ما هذا؟ أتحن حنين الجارية والأمَة؟ إذا أنا مت فشمِّر وأتزر، والبس جلد النَّمر، وضع الأمور عند أقرانها.
توفي عبد الملك بن مروان سنة 86هـ، فبايع الناس الوليد أكبر أولاده، وكان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشام أفضل خلفائهم، تُمثِّل خلافته العصر الذهبي في الحكم الأموي، من حيث الفتوح ونشر الإسلام، ومن حيث الإصلاحات والبناء والتنظيمات الإدارية.
لقد بدأ عصر الفتوحات الإسلامية أيام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكانت الخطوة الثانية الكبرى أيام معاوية بن أبي سفيان، وكانت الخطوة الثالثة أيام الوليد بن عبد الملك، وتُمثِّل سنة 93هـ قمَّة الفتوح الإسلامية على مرِّ التاريخ، ففي هذه السنة، وأيام الوليد بن عبد الملك وضمن فتح منظَّم دائم رافقه نشر الإسلام.
فُتحت سمرقند على يد قتيبة بن مسلم الباهلي، والدَّيبُل على يد محمد بن القاسم الثَّقفي، وطليطلة على يد موسى بن نصير وطارق بن زياد، فتضاعفت في السنوات العشر من حكم الوليد بن عبد الملك مساحة رقعة أرض الإسلام.
أمّا إصلاحاته: فهو أول من بني المستشفيات في الإسلام للمرضى، وأول من اتَّخذ داراً للضيافة، وأول من بني الأميال في الطرق، وهو باني جامع دمشق الكبير -المشهور بالجامع الأموي- الذي لا يُعرف في الآفاق أحسن بناء منه، بدأ ببنائه في ذي القعدة سنة88هـ، وأتمَّه أخوه سليمان، وهدم المسجد النبوي بالمدينة والبيوت المحيطة به، ثم بناه بناءً جديداً، وصفَّح الكعبة المشرفة والميزاب والأساطين في مكة، وبني صخرة بيت المقدس، وعقد عليها القبة.
كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز -واليه على المدينة- في تسهيل الثَّنايا، وحفر الآبار في البلدان، وأمره أن يعمل الفوَّارة بالمدينة، فعملها وأجرى ماءها، فلما حجَّ الوليد ورآها أعجبته، وكتب إلى البلدان جميعها بإصلاح الطُّرق وعمل الآبار.
لقد كان الوليد بن عبد الملك شديد العناية بالعمارات والأبنية، واتِّخاذ المصانع والضِّياع، وكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضاً عن الأبنية والعمارات، وكان أخوه سليمان يحب الطعام والنساء، فكان الناس في خلافته إذا التقوا سأل بعضهم بعضاً عن الطعام والنساء.
وكان عمر بن عبد العزيز صاحب عبادة وتلاوة، وكان الناس إذا تلاقوا في أيامه سأل بعضهم بعضاً: ما وِرْدُك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ وكم تقوم من الشهر؟ وقديماً قيل: "الناس على دين ملوكهم".
يعدُّ عصر الوليد بن عبد الملك صفحة جليلة خالدة في تاريخ الإسلام، لقد دخلت جيوشه الصين، وكانت سنة 93هـ قمّة مجده الخالد، عندما كانت يمناه في الدَّيْبُل والسِّند، ويسراه في طليطلة والأندلس، وناظراه نحو القسطنطينية.
مات الوليد بن عبد الملك سنة 96هـ، وكان آخر ما تكلم به: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله"، تغمَّده الله برحمته، وجزاه عن أمة الإسلام خير الجزاء.
يعتبر قتيبة بن مسلم الباهلي من أهم القواد الذين كان يعتمد عليهم الوليد بعد الله -عز وجل- كان أبوه مسلم يسابق الخيل، فإذا اشتدَّ جريه، وقف حتى تكاد تسبقه، ثم يجري فيسبقها.
ولد قتيبة في بيت فروسية سنة 49هـ من قبيلة خاملة الذكر -تبرّأَ الناس منها- ويضرب بلؤمها المثل، ولم تزل العرب تصف باهلة باللُّؤم في الجاهلية والإسلام، ثم خفت عنهم تلك السِّمة، وشرفت قبيلته؛ بسبب هذا القائد الفارس قتيبة بن مسلم وبنيه.
يحكى أن أعرابياً لقي شخصاً في الطريق فسأله: ممَّن أنت؟ فقال: من باهلة، فرثى له الأعرابي، فقال ذلك الشخص: وأَزيدك أني لست من صميمهم، ولكن من مواليهم، فأقبل الأعرابي عليه يقبِّل يديه ورجليه، فقال له: ولم ذاك؟ فقال: لأن الله -تبارك وتعالى- ما ابتلاك بهذه الرَّزية في الدنيا إلاّ ليعوِّضك الجنَّة في الآخرة.
إلى هذه الدرجة كان الناس ينظرون إلى هذه القبيلة، وكل هذا تغيّر بعد بروز قتيبة بن مسلم.
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجَّاج بن يوسف الثقفي: انظر لي رجلاً حازماً ماضياً لأمرك، فسمّى الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلي، فكتب إليه: وَلِّه، فصار قتيبة أمير الرَّي، ثم أمير خُراسان زمن عبد الملك بن مروان من جهة الحجاج بن يوسف الثقفي؛ لأنه كان أمير العراقَيْن وكلَّ ما كان يليهما، فخراسان كانت مضافة إلى الحجَّاج، وكانت تولية قتيبة لخُراسان بعد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة.
وكان قتيبة شهماً مقداماً نجيباً فارساً خلوقاً، من مفاخر المسلمين، فهو مع بطولته ودماثة أخلاقه، داهيةٌ عظيمُ المكانة، مرهوبُ الجانب، رَوِيٌّ لا يتعجَّل، وراويةٌ للشِّعر عالمٌ به، وحسب ابن آدم أن تُعَدَّ معايبه، فلقد كانت فيه حِدَّة واعتداد بنفسه.
ويبقى الإنسان بعمله يرفعه أو يخفضه، لا بنسبه، ويبقى بمآثره لا بحسبه فقط، فكم من الَّذين لم يملكوا إلاّ شرف الانتساب إلى قبيلة علا ذكرها، وسما صيتها، وذاعت مفاخرها، نسيهم التاريخ؛ لأن هذا الانتساب الوراثي، والذي لا فضل فيه للإنسان لم يقرن بجليل الأعمال.
وقتيبة من الفاتحين الأبطال الخالدين، ألا يكفيه أنه ما كُسِرت له راية، فهو من سادات الأمراء وخيارهم، وكان من القادة النُّجباء الكبراء والشُّجعان، وذوي الحرب، والفتوحات الخالدة الباقية، وقد هدى الله على يديه خلقاً لا يحصيهم إلاّ الله، فأسلموا ودانوا لله عز وجل.
ويكفي قتيبة أن ميدان عملياته كان في منطقة تختلف كلِّيّاً عن طبيعة بيئته -كما سنرى بعد قليل- فسار بخطوات بطيئة، ولكنها محسوبة مدروسة، خَطِّط لها بدقِّة، مع وضع عدد من الاحتمالات الممكنة، حسب حسابها، ووضع لها الحلول المناسبة، لذلك بقي الفتح خالداً حتَّى يومنا هذا فيما وراء النهر وشرقي الصِّين، فما أَضرَّت "باهلةُ" بمواهب قتيبة العسكرية، بل رفع قتيبة باهلةَ إلى مكانة سامقة، حتى قيل:

قومٌ قتيبةُ أمهم وأبوهم



لولا قتيبةُ أصبحوا في مَجْهَلِ



إنه قتيبة بن مسلم فاتح بلاد ما رواء النهر –سمرقند-.
قيل قديماً: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق، وصُغد سمرقند، ونهر الأُبُلة، وشِعْبُ بَوَّان.
الأُبُلة: بلدة على شاطئ دجلة، وشعب بَوَّان بأرض فارس.
إن منطقة ما وراء النهر كانت ميدان عمليات قتيبة، ويراد به ما وراء نهر جَيْحُون بخُراسان، فما كان في شرقيِّه يقال له: بلاد الهياطلة، وفي الإسلام سمَّوه ما وراء النهر، وما كان في غربيِّه فهو خُراسان وولاية خُوارزم، وما وراء النهر إقليم من أخصب أقاليم الأرض منـزلةً، وأنزهها وأكثرها خيراً، وأمَّا مياههم فإنها أعذب المياه وأبردها وأخفّها، قد عمَّت جبالها وضواحيها ومدنها، والثُّلوج من جميع نواحيها.
تبعد عن مركز الخلافة قرابة (4000 كم)، شتاؤها بارد جداً، قد تصل درجة الحرارة فيها إلى (20 درجة دون الصفر)، طرقها وعرة، ففي شرقها على حدود الصين، جبال مرتفعة جداً، تصل قممها إلى ارتفاعات شاهقة تزيد على سبعة آلاف متر، وعواصمها ومدنها الكبرى محصَّنة تحصيناً جيداً، لذا فقد واجه قتيبة مشكلات حقيقية، فبعده عن مركز الخلافة، جعل خطَّ مواصلاته طويلاً جدّاً، وهو يعمل في طبيعة جغرافية جديدة قاسية، فالبيئة الجبليَّة تحمل صعوبة في تحرُّك الجيش بمعدَّاته، وتعرقل طرق تموينه، وتكثر فيها الكمائن، وإذا ذكرت الكمائن ذكرت المباغتات وكثرة المفاجآت، وسهولة الدفاع بعدد قليل من الجند عن موقع حصين منيع.
والتاريخ يقف بإجلال تجاه قتيبة، الذي تغلَّب على كلِّ هذه المعضلات عندما وطَّد الأمن والعدل في خُراسان، فضمن نقطة انطلاق صحيحة سالمة مع استطلاع دائم، جمع المعلومات الكافية عن بلاد ما وراء النهر، وحشد لهذه العملية أربعين ألف جندي مجاهد، ونظَّم خطوط المواصلات، فسلاح المهندسين المهرة، ضَمِن تذليل صعوبات المواصلات وإزالة العوائق وإقامة المعابر والجسور فوق العوائق المائية الكثيرة، مع مجانيق كبيرة دقيقة الرِّمايات، وكان يكمن في الشتاء بعد تأمين الدِّفء لجنده من حيث اللِّباس والخيام والأخشاب للوقود والطَّعام لهم والعلف لخيلهم؛ ليبدأ الجهاد أيَّام فصل الربيع.
وبعد هذا بقي أن أقول لكم: إن فتح سمرقند احتاجت من قتيبة ثلاث عشرة سنة منذ انطلق من مرو، فوصلها بعد ثلاث عشرة سنة، لقد كانت الخطوات بطيئة ولكنها كانت مدروسة فجاءت خالدة باقية.
وصل قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 86هـ خُراسان والياً، فانطلق مستخلفاً بمرو على الأمور العسكرية إياس بن عبد الله بن عمرو، وعلى الأمور الماليِّة عثمان بن السَّعدي، فلما قطع نهر جَيْحون تلقَّاه ملك تلك المنطقة بهدايا ومفتاح من ذهب، ودعاه إلى بلاده، فأتاه فسلَّم إليه بلاده، ثم انصرف إلى مرو.
وبعد كمون في مَرْوَ طيلة فصل الشتاء بدأ قتيبة عمليات سنة 87هـ مع أوائل الرَّبيع، وفي هذه السنة قدِم "نيزك" أحد سلاطين تلك المناطق على قتيبة وصالحه على ألاّ يدخلها، وكان في يديه أسرى من المسلمين فأطلق الأسرى وبعث بهم إلى قتيبة، فصالحه على ألاّ يدخل بلادهم.
بعدها سار قتيبة من مرو إلى "بِيكَنْد"، وهي أدنى مدائن بخارى إلى نهر جيحون، يقال لها مدينة التُّجَّار، فلما نزل قتيبة بساحهم واستمدوا من حولهم، فأتوهم في جمع كثير.
وكان لقتيبة عين من العجم، أعطاه أهل المنطقة مالاً، على أن يرد عنهم قتيبة، فذهب إليه وقال: أيها الأمير هذا عامل يقدم عليك من قبل الوليد بن عبد الملك يقول: لا تحارب هؤلاء القوم في يومك هذا؛ فإنك لا تدري كيف يكون الأمر بينك وبينهم، فتبسَّم قتيبة من ذلك، ثمَّ قال: يا عدوَّ الله، وما الَّذي أتاك بهذا الخبر دوني؟
أهذا شيء دبَّرته على أن أصرف جيشي هذا عن التُّرك في يومي هذا؟
ثمَّ قدَّمه قتيبة فضرب عنقه، فرأى المسلمون ما فعل قتيبة به، فراعهم ما فعل بجاسوسه هذا، فقال قتيبة: أيها الناس، مالي أراكم قد راعكم قتله؟ هذا عبدٌ خان الله، وقد كنت أظنه ناصحاً للمسلمين، فعرفت أنه كان غاشّاً لهم، فذروا عنكم ما كان مني إليه، وعليكم بجهاد عدوِّكم.
قالوا: إنا كنَّا نظنُّه ناصحاً للمسلمين، قال: بل كان غاشّاً لهم فقد مضى لسبيله، فاغدوا على قتال عدوِّكم، فغدا الناس متأهِّبين، وأخذوا مصافَّهم، ثم تزاحفوا والتقوا واعتصم من دخل المدينة بالمدينة، فسألوا قتيبة الصُّلح فصالحهم، واستعمل عليهم أحد رجاله.
وارتحل قتيبة عنهم يريد الرُّجوع إلى مرو، فلما سار مرحلة أو مرحلتين، نقضوا عهدهم فقتلوا العامل وأصحابه، ومثَّلوا بهم، وبلغ قتيبة فرجع إليهم وقد تحصَّنوا بمدينتهم، فقاتلهم شهراً، وركَّز على تحصينات المدينة واستطاعوا بعد استشهاد أربعين منهم خرقها، فطلب سكان بِيكَنْد الصلح، فأبى قتيبة وقاتلهم؛ لأن النصر قد تحقق، فظفر بهم عنوة، فقتل من كان فيها من المقاتلة، وكان في من أخذوا من المدينة رجلٌ أعور هو الَّذي حرَّض التُّرك على المسلمين، فقال لقتيبة: أنا أفدي نفسي، فقال له سُليم الناصح: ما تبذل؟ قال: خمسة آلاف حريرة صينيَّة قيمتها ألف ألف، فقال قتيبة: ما ترون؟ قالوا: نرى أن فداءه زيادة في غنائم المسلمين، وما عسى أن يبلغ من كَيْد هذا؟ قال قتيبة: "لا والله لا أروِّع بك مسلماً مرَّة أخرى"، وأمر به فضربت عنقه.
وعمَّر أهل بِيكَنْد مدينتهم ثانية بإذن قتيبة، ونزلوا بها على أنهم يؤدُّون إليه في كل سنة شيئاً معلوماً، فصالحهم على ذلك، وكتب عليهم بذلك كتاباً، ثم قفل ومن معه يريد مرو، فإذا بطرخان ملك الصُّغد، وملك الترك قد أقبلا في مئتي ألف يريدون قتاله، فرجع قتيبة إليهما، وتمكَّن من الانتصار عليهما.
رجع قتيبة إلى مرو، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في دفع السِّلاح وآلة الحرب الكثيرة التي عثر عليها في بِيكَنْد إلى الجند، فأذن له، وقوي المسلمون بذلك، وتنافسوا في حُسْنِ الهيئة والعُدَّة.
أمضى قتيبة الشتاء في مرو، ليبدأ عملياته الجديدة في أيام الربيع.
سار في عُدَّة حسنة، وعبر نهر جيحون من زَمْ إلى بُخارى، فأتى "نومشكت" وهي من بخارى فتلقَّاه أهلها، فصالحهم، ثم سار إلى "رامثينة" فصالحه أهلها، فانصرف عنهم.
وفي هذه السنة 88هـ غزا ملك الترك، وهو ابن أُخت ملك الصِّين، في مئتي ألف مقاتل، فكسرهم قتيبة وغنم من أموالهم شيئاً كثيراً.
ثم عاد قتيبة بجنده إلى مرو لقضاء فصل الشتاء، وفي سنة 89 هـ سار إلى بخارى، ولكنه لم يحقِّق نصراً حاسماً، فرجع إلى قاعدته مرو، وكتب إلى الحجاج بذلك، فكتب إليه الحجاج أن صَوِّرْها لي، فبعث إليه بمخطط يوضِّح موقعها والتضاريس المحيطة والمؤدية إليها، فكتب إليه الحجاج أن ارجع إلى بخارى، فتب إلى الله مما كان منك، ثم رسم له المكان المناسب لاقتحامها، وقال: وإيَّاك والتَّحويط، ودعني وثنيات الطُّرق.
وفي سنة 90هـ سار إلى بخارى مرة ثانية، فأرسل ملكها يستنصر من حوله، ولكن قتيبة استطاع فتحها هذه المرة، ولما فتحها استأذنه نيزك طرخان في الرُّجوع إلى بلاده، وكان نيزك قد أسلم وسمِّي بعبد الله فأذن له، فرجع إلى طُخارِستان، فعصى وكاتب من حوله، وجمع الجموع، فزحف إليه قتيبة، حتى تمكن منه، واستشار قتيبة الأمراء في قتله، فاختلفوا عليه، فقائل يقول: اقتله، وقائل يقول: لا تقتله، فقال له بعض الأمراء: إنك أعطيت الله عهداً أنَّك إن ظفرت به لتقتلنّه، وقد أمكنك الله منه، فقال قتيبة: والله إن لم يبقَ من عمري إلاّ ما يسع ثلاث كلمات لأقتلنَّه، ثم قال: اقتلوه، فقُتِل، جزاء غدره ونقضه الصلح.
وفي سنة 91هـ فتح شُومان، وكان ملك شُومان يقول: أنا أمنع الملوك حصناً، وأشدُّ الناس رمياً، فما أخاف قتيبة، فمضى قتيبة من بَلْخ فعبر النهر، ثم أتى شُومان وقد تحصَّن ملكها، فوضع قتيبة المجانيق تجاه سورها، ووضع منجنيقاً كان يسميها الفَحْجاء، فرمى العاملون عليها بأوَّل حجر فأصابوا السور، ورموا بآخر فوقع في المدينة، ثم تتابعت الحجارة في المدينة، فوقع حجر منها في مجلس الملك، فأصاب رجلاً فقتله، بعدها هشَّمت المجانيق أسوار القلعة ففتحت عنوة.
وفي ربيع 92هـ فتح كَش ونَسَف، وامتنعت عليه فِرْياب فحرَّقها، فسميت المحترقة.
توقع أهل سمرقند أنه سيرتاح كعادته في ربيع القابل، فجاءه رجل يُسمى "المجشَّر بن مُزاحم السُّلَمي" وأشار عليه فقال: إن أردت الصُّغْد -يعني سمرقند- يوماً من الدهر فالآن، فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا، وإنما بينك وبينهم عشرة أيام، فاستحسن الرأي، فلما أصبح من الغد، دعا أخاه عبد الرحمن وقال له: سِرْ في الفرسان، وقدِّم الأثقال إلى مرو، وسِرْ في الفرسان نحو سمرقند واكتم الأخبار فإني بالأثر.
نادى في الناس فجمعهم، ثم ندبهم إلى المسير إلى سمرقند، وخطبهم فقال: "إن الله قد فتح لكم هذه البلدة في وقتٍ، الغزو فيه ممكن، وهذه سمرقند شاغرة برِجْلها، قد نقضوا العهد الذي كان بيننا، منعونا ما كنّا صالحنا عليه طرخون، وصنعوا به ما بلغكم، وقد قال الله: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [(10) سورة الفتح]، فسيروا على بركة الله، فإني أرجو أن يكون خُوارزم وسمرقند كالنَّضير وقريظة، وقد قال الله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [(21) سورة الفتح].
عبر عبد الرحمن ومن معه النهر وسار إلى سمرقند، وعبر قتيبة بالأثر ومن معه نهر جيحون، وحوصرت سمرقند، وسمرقند مدينة مرتفعة يشرف النَّاظر بها على شجر أخضر وقصور تزهر، وأنهار تَطَّرد.
استنجد ملكها بعد خوفه من طول الحصار بملك الشَّاش، وبملك فَرْغانة وكتب إليهما: "إنَّ العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتَوْنا به، فانظروا لأنفسكم"، فأجمع ملك الشَّاش وملك فَرْغانة على نجدة أهل سمرقند، وأرسلا أن شاغِلُوا قتيبة ومن معه؛ كي نفاجئهم على حين غرَّة.
وانتخب أهل الشَّاش وفَرْغانة كلَّ شديد السَّطوة من أبناء الملوك والأمراء والأشدَّاء الأبطال وأمروهم أن يسيروا إلى قتيبة؛ ليفاجئوه، ولكن استطلاع قتيبة دائم ويقظ، فجاءته الأخبار بما عزم العدو عليه.
انتخب قتيبة ستمائة من أهل النَّجدة، وجعل عليهم أخاه صالحاً أميراً، ووضع قتيبةُ عيوناً على العدوِّ، حتَّى إذا قَرُبوا منه قَدْرَ ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم، فكلَّمهم وحَضَّهم، فخرجوا من العسكر عند المغرب، فساروا ونـزلوا على فرسخَيْن من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم، ففرَّق صالح خيله، وأكمن كميناً عن يمينه، وكميناً عن يساره، حتَّى إذا مضى نصفُ الليل أو ثلثاه، جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت، وصالحٌ واقفٌ في خيله، فلما رأوه شدُّوا عليه، حتى إذا اختلفت الرِّماح، شدَّ الكمينان عن اليمين وعن الشمال، ولم يفلت إلاّ النَّفر اليسير، وغنم المسلمون أسلحتهم، وقال بعض الأسرى: تعلمون أنَّكم لم تقتلوا في مقامكم هذا إلاّ ابن ملك، أو بطل من الأبطال المعدودين بمائة فارس، أو بألف فارس.
لقد منع قتيبة بهذا الكمين وصول النَّجدات إلى ميدان المعركة بكمين ليلي، والقيام بحركة خاطفة ليليَّة للقضاء على أرتال النَّجدات في معركة ليليَّة، في الوقت الذي يكون الكمين قد أوقف تقدُّمها.
نصب قتيبة المجانيق حول سمرقند، ورمت بتركيز دقيق على سور المدينة، فَثَلَمَت فيها ثُلْمة، فرمَّمها المدافعون عنها بسرعة كبيرة، وجاء رجل قام على الثَّلْمة، فشتم قتيبة بعربية فصيحة، وكان مع قتيبة قومٌ رُماة، يُسَمَّون "رماة الْحَدَق" لدقَّة تصويبهم، فقال لهم قتيبة: اختاروا منكم رجلَيْن، فاختاروا، فقال: أيُّكما يرمي هذا الرَّجل، فإن أصابه فله عشرة آلاف، وإن أخطأه قطعت يده؟
فتلكّأ أحدهما وتقدّم الآخر، فرماه فلم يخطىء عينَه، فأمر له بعشرة آلاف.
قال ملك سمرقند لقتيبة: إنَّما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي، فاخرُج إليََّ في العرب، فغضب قتيبة عند ذلك، وميَّز العربَ من العجم، وأمر العجم باعتزالهم، وقدّم الشُّجعان من العرب، وأعطاهم جيِّد السِّلاح وزحف بالأبطال على المدينة، ورماها بالمجانيق، فَثَلَم فيها ثُلْمة، وقال قتيبة: ألحوا عليها حتَّى تعبروا الثُّلْمة، فقاتلوهم حتَّى صاروا على ثلمة المدينة، عندها قال الملك لقتيبة: ارجع عنَّا يومك هذا ونحن نصالحك غداً، فقال قتيبة:
لا نصالحهم إلاّ ورجالنا على الثُّلمة، ومجانيقنا تخطر على رؤوسهم ومدينتهم.
وفي اليوم التالي والمسلمون على الثُّلْمة، عاود الملك يطالب بالصُّلح، فصالحه قتيبة على: الجزية، وتحطيم الأصنام وما في بيوت النِّيران، وإخلاء المدينة من المقاتلة، وبناء مسجد في المدينة ووضع منبر فيه.
استلم قتيبة ما صالحهم عليه، وصلّى في المسجد الَّذي حدَّد مكانه وخطب فيه، وأتى بالأصنام، وأُلقيت بعضها فوق بعض. حتى صارت كالقصر العظيم، ثمَّ أمر بتحريقها، فتصارخ الأعاجم وتباكوا وقالوا: إن فيها أصناماً قديمة، من أحرقها هلك، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، وجاء ملك سمرقند فنهاه عن ذلك، وقال لقتيبة: أيُّها الأمير، إنِّي لك ناصح، وإنَّ شكرك عليَّ واجب، لا تَعرِض لهذه الأصنام، فقام قتيبة، ودعا بالنَّار، وأخذ شعلة بيده، وقال: أنا أحرقها بيدي، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون، وسار إليها وهو يكبِّر الله -عز وجل-، وألقى فيها النَّار فاحترقت، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال.
وصنع ملكهم بعد ذلك طعاماً، ودعا قتيبة فأتاه في عدد من أصحابه، فلما تغدَّى استوهب منه المدينة، فقال قتيبة: إنِّي لا أريد منكم أكثر مما صالحتكم عليه، ولكن لا بُدَّ من جند يقيمون عندكم من جهتنا، وأن تنتقل عنها، فانتقل عنها ملكها فتلا قتيبة: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى* وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [(50-51) سورة النجم]، ثمَّ ارتحل قتيبة راجعاً إلى مرو، مستخلفاً على سمرقند أخاه عبد الله، وخلّف عنده عدداً من الجند كبيراً، وآلة من آلة الحرب كثيرة، مع تعليمات حازمة تتعلَّق بالدَّاخلين إلى سمرقند والخارجين منها.
انتهى قتيبة من فتح سمرقند واخضاعها لحكم المسلمين عام 93هـ، وفي سنة 94هـ غزا قتيبة الشَّاش وفَرْغانة اللذين ساعدا ملك سمرقند، فذهب إليهم ليأدبهم وتم له ذلك، وفي هذه السنة كتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن توَجِّه بمنْ قِبَلكَ من أهل العراق إلى قتيبة؛ لأنه القائد الحقيقي للجبهة الشرقية بفرعيها: الشمالي فيما وراء النهر بقيادة قتيبة، والجنوبي في حوض السند بقيادة محمد بن القاسم، وحثهم على غزو الصين، وأيهم سبق فهو عامله عليها.
وفي عام 95هـ جاءه خبر وفاة الحجاج فغمّه ذلك، فجاءه كتاب من الوليد بن عبد الملك أقره على أن يكون عامله على تلك البلاد، ودعا له وحثه على مواصلة الجهاد والفتح.
أعلن قتيبة سنة 96هـ النَّفير العام؛ لأنه قرَّر العبور من فَرْغانة إلى الصين ضمن الخطة التي رسمها الحجاج والذي خاطب قتيبة وابن القاسم بقوله: "أيّكما سبق إلى الصين، فهو عامل عليها وعلى صاحبها".
فأعلن قتيبة التَّعبئة العامة، وقال: "لا يجوزنَّ أحد نهر جيحون عائداً إلى مرو إلاّ بإذن رسمي خطِّي يؤهله العودة مما وراء النهر إلى مرو"، ومضى قتيبة وجنده إلى فَرْغانة، وأرسل سلاح المهندسين ليسهلوا له الطريق إلى كَاشْغَر، وهي أدنى مدائن الصين.
فتح قتيبة مدينة كاشغر، وعبر بذلك نهر سَيْحُون، النهر الذي يشكل الحد الطبيعي بين الفرس والترك، وبين المغول، وعبور قتيبة له كان أول تحدٍّ مباشر من العرب المسلمين للشعوب المغولية.
طلب إمبراطور الصين بعد فتح كاشغر وفداً يمثِّل قتيبة، وكتب إلى قتيبة كتاباً جاء فيه: "ابعث إلينا رجلاً من أشراف من معكم يخبرنا عنكم، ونُسائله عن دينكم".
فانتخب قتيبة من عسكره اثني عشر رجلاً من أفناء القبائل، لهم جَمال وألسُن وأجسام وشُعور وبأس، بعدما سأل عنهم فوجدهم مِن صالح مَن هم منه، فكلَّمهم قتيبة وفاطنهم، فرأى عقولاً وجمالاً، فأمر لهم بعُدَّة حسنة من السلاح والمتاع الجيِّد من الْخَزِّ والوَشْي واللَّيِّن من البياض والرَّقيق والنِّعال والطيب، وحملهم على خيول مطهَّمة تُقادُ معهم ودواب يركبونها.
وكان هبيرة الكلابي مفوَّهاً بسيط اللسان، فقال قتيبة: يا هبيرة، كيف أنت صانع؟ قال: أصلح الله الأمير! قد كُفيتَ الأدبَ، وقل ما شئتَ أقله، وآخذ به، قال: سيروا على بركة الله، وبالله التوفيق، لا تضعوا العمائم عنكم حتى تقدموا البلاد، فإذا دخلتم عليه فأعلمُوه أني قد حلفتُ ألاّ أنصرِفَ حتى أطأَ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم.
سار الوفد وعليهم هبيرة، فلما قدموا أرسل إليهم ملك الصين يدعوهم، فدخلوا الحمَّام، ثم خرجوا فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل، ثم مَسُّوا من الطيب وتدخَّنوا ولبسوا النِّعال والأردية، ودخلوا عليه وعنده عظماء أهل مملكته، فجلسوا فلم يكلِّمهم الملك ولا أحد من جلسائه فنهضوا، فقال الملك لمن حَضَره: كيف رأيتم هؤلاء؟ قالوا: رأينا قوماً ما هُمْ إلاّ نساء، ما بقي منَّا أحد حين رآهم ووَجَد رائحتهم إلاّ اشتهى النساء.
فلما كان الغد أرسل إليهم فلبسوا الوشيَ وعمائم الخزَّ والمطارِف، وغدَوْا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا، فقال لأصحابه: كيف رأيتم هذه الهيئة؟ قالوا: هذه الهيئة أشبه بهيئة الرجال من تلك الأُولى، وهم أولئك، فلمّا كان اليوم الثالث أرسل إليهم فشدوا عليهم سلاحهم ولبسوا البَيْض والمغافِرَ، وتقلَّدوا السيوف، وأخذوا الرِّماح، وتنكَّبوا القِسِيَّ، وركبوا خيولهم وغدوا، فنظر إليهم صاحب الصين فرأى أمثال الجبال مُقْبِلَة، فلَّما دنوا ركّزوا رماحهم ثم أقبلوا نحوهم مشمِّرين، فقيل لهم قبلَ أن يدخلوا: ارجعوا؛ لِمَا دخل قلوبهم من خوفهم، فانصرفوا فركبوا خيولهم، واختلجوا رماحهم، ثم دفعوا خيولهم كأنهم يتطاردون بها، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ قالوا: ما رأينا مثل هؤلاء قط، فلمَّا أمسى أرسل إليهم الملك، أن ابعثوا إليَّ زعيمكم وأفضلكم رجلاً، فبعثوا إليه هبيرة، فقال له حين دخل عليه: قد رأيتم عظيم مُلْكي، وإنه ليس أحدٌ يمنعكم منِّي، وأنتم في بلادي، وإنّما أنتم بمنـزلة البيضة في كفِّي، وأنا سائلك عن أمر، فإن لم تصدقني قتلتكم، قال: سَلْ، قال: لِمَ صنعتم ما صنعتم من الزيِّ في اليوم الأول والثاني والثالث؟.
قال هبيرة: أمَّا زيُّنا في يومنا الأول فلباسنا في أهالينا، وريحنا عندهم، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أُمراءنا، وأما اليوم الثالث فزيُّنا لعدونا، فإذا هاجنا هيج وفزع كنا هكذا، قال الملك: ما أحسن ما دبَّرتم دهركم! فانصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له: ينصرف، فإني قد عرفت حِرصَه وقلَّة أصحابه، وإلاّ بعثتُ عليكم من يُهلككم ويهلكه، قال له هبيرة: كيف يكون قليل الأصحاب من أوَّل خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟ وكيف يكون حريصاً من خلّف الدنيا قادراًَ عليها وغزاك!
وأمّا تخويفك إيانا بالقتل، فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتلُ فلسنا نكرهه ولا نخافه.
فقال الملك: فما الذي يُرضي صاحبك؟ قال هبيرة: إنه قد حلف ألاّ ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويُعطى الجزية.
قال الملك: فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطؤه، ونبعث بعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها، ثم دعا بصِحاف من ذهب فيها تراب، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجازهم فأحسن جوائزهم، فساروا فقدموا بما بعث به، فقبل قتيبة الجزية، وختم الغِلْمة وردَّهم، ووطيء التراب، فقال سوادةُ بن عبد الله السَّلُولي وكان شاعراً:

لا عيبَ في الوَفْدِ الذينَ بعثتَهُم
كسَرُوا الجفونَ على القذى خوفَ الرَّدى
لم يرضَ غيرَ الختمِ في أعناقهم
أدَّى رسالتك التي استَرعَيتَه



للصِّين إن سلكوا طريقَ المنهجِ
حاشا الكريم هبيرةَ بن مُشَمرَجِ
ورهائنٍ دُفعت بحملِ سَمَرَّجِ
وأتاك من حنث اليمين بمخرجِ



وبعد فتح كاشغر، جاء إلى قتيبة خبر موت الوليد بن عبد الملك، فانكسرت همَّته لذلك.
توفي الوليد سنة 96هـ، وتسلَّم سليمان الخلافة من بعد أخيه، ولم يكن قتيبة على وفاق مع سليمان بن عبد الملك فعزله عن ولاية خراسان، فقام بعض من كان يكره قتيبة واستغل هذا الموقف فقطعوا حبال خيمته عليه، وقتلوه مع عدد من إخوته: عبد الرحمن، وعبد الله، وصالح، وحُصَين، وعبد الكريم، وعدد من أهل بيته.
وبهذه النهاية المأساوية انتهت صفحة من صفحات تاريخ طويل في الجهاد والفتح، فقتيبة قائد بارع، عبقريٌّ فذّ، إداريٌّ متميز، فحل ولاة الدولة الأموية لم يُعرف منه لهو أو جمع لمال، وعُرفت منه الشجاعة في أعلى درجاتها، والثقة بالنفس والاعتزاز بها في أسمى صورها.
نشر قتيبة الإسلام وشجع سكان ما وراء النهر على اعتناقه، خصوصاً بعدما أسكن العرب المسلمين المدن الهامة، فتعرَّف السكان على الإسلام من سلوك المسلمين أنفسهم عن طريق المخالطة اليومية، وخصوصاً عندما حرَّق الأصنام أمام أعين السكّان ولم يصبه أذى من تحطيمها وإحراقها، واعتناق الإسلام الذي رافق الفتح باقٍ إلى يومنا هذا خالد، يعتزُّ به أبناء تلك المناطق، ولا ننسى أن شعوب ما وراء النهر شاركت بعد استقرارها، واستتباب الأمن فيها، وبناء المساجد والمدارس في الحضارة الإسلامية بأحسن ما تكون المشاركة، فأسماء كبيرة لامعة سطعت في سماء الإنسانية جمعاء؛ بفضل هذا الدين وفتح تلك البلاد مثل: البخاري والخوارزمي والرازي والنَّيسابوري والبيروني والفارابي والغزالي والطبري وغيرهم كثير.
رحم الله قتيبة بن مسلم الباهلي، وجعله في علِّيين، لقد كان من نخبة الأمراء وخيارهم، ومن القادة النجباء الكبار، والفاتحين الشجعان، ومع هذه الصفات الرفيعة كان يعلم أن النصر من عند الله أولاً وأخيراً.
رحم الله فاتح بلاد ما وراء النهر، قتيبة بن مسلم الباهلي، أول أمير مسلم وطئت أقدام جنده أرض الصين، والقائد الذي ما كُسرت له راية مع إدارة ناجحة، حتى إن الظعينة لتخرج من مرو إلى سمرقند من غير جوار.
لقد مات -رحمه الله- في قمَّة مجده، وهو في الخامسة والأربعين من عمره، وتتعجب من الجنود الفاتحين الذين كانوا معه في فتح سمرقند، جاؤوا من بيئة حارَّة في شبه جزيرة العرب والكوفة والبصرة، إلى بيئة باردة ثلجيَّة في خُراسان وما وراء النهر، كيف تأقلموا؟ وكيف عملوا في هذا المناخ المغاير كليّاً لمناخ مساقط رؤوسهم وبيئتهم؟ ولكن لا عجب إذا عرفنا أن هذا الدين يغيّر من الناس فيجعلهم غير الناس.
والحمد لله أولاً وآخراً...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nda2eleslam.yoo7.com
 
مع فتح سمرقند الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من قناة الناس عن رحله الشيخ محمد احمد شبيب مع القران فى استضاتفه الشيخ محمد
» حصريا القرآن الكريم كاملا بصوت الشيخ عبد العزيز الأحمد بحجم 1gb على اكثر من سيرفر .
» محمد حسان صبراً يا مصر خطبة الجمعة وتنبيه للانتخابات الشيخ محمد حسان
» الشيخ محمد رفعت
»  سيرة الشيخ محمد الليثي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بــــلال الســــنوسي الاسلامية  :: منتدي التاريخ الإسلامي-
انتقل الى: