سفيرالنواياالحسنة صاحب الموقع والمديرالعام المسئول
هذا العضو حاصل على وسام : عدد المساهمات : 3321 نقاط : 10324 حبيب الرسول كبير : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2010
| موضوع: مع اول سفير في الاسلام مصعب بن عمير الثلاثاء يوليو 20, 2010 7:04 pm | |
| أول سفراء الإسلام
هذا رجل من أصحاب محمد ،ما أجمل أن نبدأ به الحديث.
غُرَّة فتيان قريش، و أوفاهم بهاء ،و جمالاً،و شباباً …
يصف المؤرخون و الرواة شبابه ،فيقولون :" كان أعطر أهل مكة"…
ولد في النعمة ،و غذي بها ،و شب تحت خمائلها ..
و لعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر من تدليل أبويه بمثل ما ظفر به " مصعب ابن عمير"..
ذلك الفتى الريان،المدلل المنعم ،حديث حسان مكة ،و لؤلؤة ندواتها و مجالسها ، أيمكن أن يتحول إلى أسطورة من أساطير الإيمان و الفداء…؟؟
بالله ما أروعه من نبأ ..نبأ "مصعب بن عمير "أو" مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين..
و لكن أي واحد كان…؟
إن قصة حياته لشرف لبني الإنسان جميعاً…
لقد سمع الفتى ذات يوم ،ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين…
"محمد " الذي يقول أن الله أرسله بشيراً و نذيراً، و داعياً إلى عبادة الله الواحد الأحد.
و حين كانت مكة تمسي و تصبح و لا هم لها ، و لا حديث يشغلها إلا الرسول صلى الله عليه و سلَّم و دينه ، كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعاً لهذا الحديث.
ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه ، زينة المجالس و الندوات ، تحرص كل ندوة أن يكون " مصعب" بين شهودها ، ذلك أن أناقة المظهر و رجاحة العقل كانتا من خصال " ابن عمير" التي تفتح له القلوب و الأبواب ..
و لقد سمع فيما سمع أن الرسول و من آمن معه ، يجتمعون بعيداً عن فضول قريش و أذاها …هناك على الصفا في دار " الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد ،و لا التلبث و الانتظار ، بل صحب نفسه ذات مساء إلى "دار الأرقم " تسبقه أشواقه و رُؤاه…
هناك كان الرسول يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم من القرآن الكريم ، و يصلي معهم لله العلي الكبير .
و لم يكد" مصعب" يأخذ مكانه و تنساب الآيات من قلب الرسول متألقة على شفتيه ، ثم آخذة طريقها إلى الأسماع و الأفئدة ، حتى كان فؤاد " ابن عمير " في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..
ولقد كانت الغبطة تخلعه من مكانه ، و كأنه من الفرحة الغامرة يطير.
و لكن الرسول بسط يمينه المباركة الحانية حتى لامست الصدر المتوهج ، و الفؤاد المتوثب ،فكانت السكينة العميقة عمق المحيط … و في لمح البصر كان الفتى الذي آمن و أسلم يبدو و معه من الحكمة ما يفوق ضعف عمره و سنه ، و معه من التصميم ما يغير سير الزمان….
كانت أم مصعب " خناس بنت مالك "تتمتع بقوة فذَّة في شخصيتها ، و كانت تهاب إلى حد الرهبة..
و لم يكن "مصعب "حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى أمه.
فلو أن مكة بكل أصنامها و أشرافها و صحرائها ، استحالت هولاً يقارعه و يصارعه ، لاستخف به مصعب إلى حين .. أما خصومة أمه ، فهذا هو الهول الذي لا يطاق ..
ولقد فكَّر سريعاً ، و قرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمراً .
و ظل يتردد على دار الأرقم ، و يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلَّم ، و هو قرير العين بإيمانه ، و بتفاديه غضب أمه التي لا تعلم عن إسلامه خُبراً..
و لكن مكة ، و في تلك الأيام بالذات . لا يخفى فيها سر . فعيون قريش و آذانها على كل طريق ، ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة ، الواشية …
و لقد أبصر به " عثمان بن طلحة " و هو يدخل خفيةً إلى دار الأرقم … ثم رآه مرة أخرى و هو يصلي كصلاة محمد. فسابق ريح الصحراء و زوابعها ، شاخصاً إلى أم مصعب . حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها …
و وقف " مصعب" أمام أمه ، و عشيرته ، و أشراف مكة المجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق و ثباته ، القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم و يملأها به حكمةً و شرفاً و عدلاً و تقى .
و همت أمه أن تسكته بلطمة قاسية. و لكن اليد التي امتدت كالسهم . ما لبثت أن استرخت و ترنحت أمام النور الذي زاد و سامة وجهه و بهاءه جلالاً يفرض الاحترام ، و هدوءاً يفرض الإقناع …
و لكن . إذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب و الأذى . فإن في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر …
و هكذا مضت به إلى ركن قصي من أركان دارها . و حبسته فيه . و أحكمت عليه إغلاقه ، و ظل رهين محبسه ذاك حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشة ، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ ، و غافل أمه و حراسه ، و مضى إلى الحبشة مهاجراً أواباً ..
ولسوف يمكث في الحبشة مع إخوانه المهاجرين ، ثم يعود معهم إلى مكة ، ثم يهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
و لكن ، سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة ، فإن تجربة إيمانه تمارس تفوقها في كل زمان و مكان ، و لقد فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار ، و اطمأن " مصعب " إلى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدم قرباناً لباريها الأعلى ، و خالقها العظيم ..
خرج يوماً على بعض المسلمين و هم جلوس حول رسول الله ، فما أن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم و غضوا أبصارهم و ذرفت بعض عيونهم دمعاً شجياً ..
ذلك أنهم رأوه .. يرتدي جلباباً مرقعاً بالياً ، و عاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه ، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة نضرة ، و ألقاً و عطراً ..
و تملَّى رسول الله منظره بنظرات حكيمة ، شاكرة ، محبة ، و تألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة ، و قال ( لقد رأيت مصعباً هذا ، و ما بمكة فتىأ نعم عند أبويه منه ، لقد ترك ذلك كلِّه حباً بالله و رسوله)..
لقد منعته أمه حين يئست من ردته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. و أبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة و حاقت به لعنتها ، حتى لو يكون هذا الإنسان ابنها ..
و لقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرة أخرى بعد رجوعه من الحبشة . فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه ..
و إنها لتعلم صدق عزمه إذا همَّ و عزم ، فودعته باكية ، و ودعها باكياً ..
و كشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم و إصرار أكبر على الإيمان من جانب الإبن .. فحين قالت له و هي تخرجه من بيتها : اذهب لشأنك ، لم أعد لك أماً .. اقترب منها و قال ( يا أمَّه ، إني لك ناصح ، و عليك شفوق ، فاشهدي أنه لا إله إلا الله ، و أن محمداً عبده و رسوله).. أجابته غاضبة مهتاجة :" قسماً بالثواقب ، لا أ دخل في دينك ، فَيُزرى برأيي و يضعف عقلي"…
و خرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثراً الشظف و الفاقة .. و أصبح الفتى المتأنق المعطر ، لا يُرى إلا مرتدياً أخشن الثياب ، يأكل يوماً ، و يجوع أياماً ، ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة ، و المتأنقة بنور الله ، كانت قد جعلت منه إنساناً آخر يملأ الأعين جلالاً ،و الأنفس روعة..
و آنئذ ، اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها : أن يكون سفيره إلى المدينة، يفقِّه الأنصار الذين آمنوا و بايعوا الرسول عند العقبة ، و يُدخل غيرهم في دين الله ، و يُعِدُّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..
كان في أصحاب الرسول يومئذ من هم أكبر منه سناً و أكثر جاهاً ، و أقرب من الرسول قرابةً .. ولكن الرسول اختار مصعب الخير ، و هو يعلم بأنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة ، و يلقي بين يديه بمصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة ، و منطلق الدعوة و الدعاة و المبشرين و الغزاة ، بعد حين من الزمان قريب .
و حمل مصعب الأمانة مستعيناً بما أنعم الله عليه من عقل راجح و خلق كريم ..و لقد غزا أفئدة أهل المدينة بزهده و ترفعه و إخلاصه، فدخلوا في دين الله أفواجاً..
لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها و ليس فيها سوى اثني عشر مسلماً هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة ،و لكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله و للرسول ..
و في موسم الحج التالي لبيعة العقبة كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكَّة للقاء الرسول وفداً يمثلهم و ينوب عنهم .. و كان عدد أعضائه سبعين مؤمن و مؤمنة .. جاؤوا تحت قيادة معلمهم و مبعوث نبيهم إليهم " مصعب بن عمير " .. لقد أثبت " مصعب"بكياسته و حسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عرف كيف يختار..فلقد فهم " مصعب " رسالته تماماً و وقف عند حدودها .. عرف أنه داعية إلى الله ، و مبشر بدينه الذي يدعو الناس إلى الهدى ، و إلى صراط مستقيم.. و أنه كرسوله الذي آمن به ، ليس عليه إلا البلاغ .. هنالك نهض في ضيافة " أسعد بن زرارة" يَغشيان القبائل و البيوت و المجالس ، تالياً على الناس ما معه من كتاب ربه ، هاتفاً بينهم في رفق عظيم بكلمة الله ( إنما الله إله واحد)…
و لقد تعرض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به و بمن معه ، لولا فِطنة عقله ، و عظمة روحه..
ذات يوم فاجأه و هو يعظ الناس " أُسيد بن حُضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة، فاجأه شاهراً حربته ، يتوهج غضباً و حنقاً على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم .. و يدعوهم لهجر آلهتهم ، و يحدثهم عن إله واحد لم يعرفوه من قبل ،و لم يألفوه من قبل ..
إن آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها ، إذا احتاجها أحد عرف مكانها و ولى وجهه ساعياً إليها ، فتكشف ضره و تلبي دعاؤه …هكذا يتصورون و يتوهمون ..أما إله محمد الذي يدعوهم إليه باسمه هذا السفير الوافد إليهم ، فما أحد يعرف مكانه ، و لا أحد يستطيع أن يراه ..
و ما أن رأى المسلمون الذي كانوا يجالسون " مصعب" مَقدَم " أسيد بن حضير"متوشحاً غضبه المتلظي ، و ثورته المتحفزة ، حتى وَجِلوا ..لكن " مصعب الخير" ظل ثابتاً ، وديعاً ، متهللاً ..
وقف أسيد أمامه مهتاجاً ، و قال يخاطبه هو و أسعد بن زرارة : "ما جاء بكما إلى حيِّنا ، تسفِّهان ضعفاءنا ..؟اعتزلانا ، إذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة "..!!و في مثل هدوء البحر و قوته و في مثل تهلل ضوء الفجر و وداعته ..انفرجت أسارير مصعب الخير و تحرك بالحديث الطيب لسانه فقال:"أولا تجلس فتستمع..؟! فإن رضيت أمرنا قبلته ..و إن كرهته كففنا عنك ما تكره"..
الله أكبر ..ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام ..!!
كان " أسيد رجلاً أريباً عاقلاً" ..و هاهو ذا يرى مصعباً يحتكم معه إلى ضميره .. فيدعوه إلى أن يسمع لا غير .. فإن اقتنع، تركه لاقتناعه و إن لم يقتنع ترك " مصعب" حيهم و عشيرتهم و تحول إلى حي آخر و عشيرة أخرى غير ضارّ و لا مُضارّ .. هناك أجابه " أسيد " قائلاً : أنصفت ، أنصفت … و ألقى حربته إلى الأرض و جلس يصغي .. و لم يكد مصعب يقرأ القرآن ، و يفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام ، حتى أخذت أسارير " أسيد " تبرق و تشرق ..و تتغير مع مواقع الكلام و تكتسي بجماله ..!!و لم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به " أسيد بن حضير"و بمن معه قائلاً :
" ما أحسن هذا القول و أصدقه … كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين " ..؟؟ و أجابوه بتهليلة رجَّت الأرض رجاَ ، ثم قال له مصعب : ( يطهِّر ثوبه و بدنه، و يشهد ألا إله إلا الله ).. فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه ، و وقف يعلن أنه يشهد ألا إله إلا الله ، و أن محمداً رسول الله..
و سرى الخبر كالضوء .. و جاء " سعد بن معاذ " فأصغى لمصعب و اقتنع ، و أسلم ، ثم تلاه " سعد بن عبادة ".. و تمت بإسلامهم النعمة ، و أقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون : إذا كان أسيد بن حضير ، و سعد بن معاذ ، و سعد ابن عبادة قد أسلموا ، ففيم تخلّفنا…؟ هيا إلى مصعب ، لنؤمن معه ، فإنهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه …!!
لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه و سلَّم نجاحاً منقطع النظير.. نجاحاً هو له أهل ، و هو به جدير ..
و تمضي الأيام و الأعوام ، و يهاجر الرسول و صحبه إلى المدينة ، و تتلمظ قريش بأحقادها .. و تعد عدَّة باطلها ، لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين ..و تقوم غزوة بدر ، فيتلقون فيها درساً يفقدهم بقية صوابهم و يسعون إلى الثأر ، و تجيء غزوة أحد .. و يعبئ المسلمون أنفسهم ، و يقف الرسول صلى الله عليه و سلَّم وسط صفوفهم يتفرس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية .. و يدعو مصعب الخير ، فيتقدَّم و يحمل اللواء..
و تشب المعركة الرهبية ، و يحتدم القتال ، و يخالف الرماة أمر الرسول عليه السلام و يغادرون مواقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين ، لكن عملهم هذا ، سرعان ما يحوِّل نصر المسلمين إلى هزيمة .. و يفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل ، و تُعمل فيهم على حين غرة السيوف الظامئة المجنونة ..
و حين رأوا الفوضى و الذعر يمزقان صفوف المسلمين ، ركَّزوا على رسول الله صلى الله عليه و سلَّم لينالوه ..
و أدرك "مصعب بن عمير " الخطر الغادر ، فرفع اللواء عالياً ، و أطلق تكبيرة كالزئير ، و مضى يصول و يجول و يتواثب .. و كل همه أن يلفت نظر الأعداء إليه و يشغلهم عن الرسول صلى الله عليه و سلَّم بنفسه ، و جرَّد من ذاته جيشاً بأسره … أجل ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير ..
يد تحمل الراية في تقديس ..
و يد تضرب السيف في عنفوان ..
و لكن الأعداء يتكاثرون عليه ،يريدون أن يعبروا فوق جثته إلى حيث يلقون الرسول ..
و لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الختام في حياة مصعب العظيم ..!!
يقول ابن سعد : أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري ، عن أبيه قال :
( حمل "مصعب بن عمير "اللواء يوم أحد ، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب ، فأقبل ابن قبيئة و هو فارس ، فضربه على يده اليمنى فقطعها ، و مصعب يقول :و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل …" و أخذ اللواء بيده اليسرى و حنا عليه ، فضرب يده اليسرى فقطعها ، فحنا على اللواء و ضمَّه بعضديه إلى صدره و هو يقول : و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل …" ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه و اندقَّ الرمح ، و وقع مصعب ، و سقط اللواء )…
وقع مصعب …و سقط اللواء..!!
وقع حلية الشهادة ، و كوكب الشهداء ..!!
وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء و الإيمان ..
كان يظن أنه إذا سقط ، فسيصبح طريق القتلة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلَّم خالياً من المدافعين و الحماة .. و لكنه كان يعزي نفسه في رسول الله صلى الله عليه و سلَّم من فرط حبِّه له و خوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعاً : ( و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ).. هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها ،و يكملها ، و يجعلها ، قرآناً يتلى ..
* * *
و بعد انتهاء المعركة المريرة وُجد جثمان الشهيد الرشيد راقداً و قد أخفى و جهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..
لكأنما خاف أن يبصر و هو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء، فأخفى و جهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره و يخشاه …؟؟
أو لكأنه خجلان إذ سقط شهيداً قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله و قبل أن يؤدي إلى النهاية واجب حمايته و الدفاع عنه ..!!
لك الله يا مصعب يا من ذكرك عطراً للحياة …!!
* * *
و جاء الرسول و أصحابه يتفقدون أرض المعركة و يودعون شهداءها .. و عند جثمان مصعب ، سالت دموع وفية غزيرة ..
يقول خبَّاب بن الأرت:
( هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلَّم في سبيل الله ، نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله .. فمنا من مضى و لم يأكل من أجرة في دنياه شيئاً – منهم مصعب بن عمير – قُتل يوم أحد .. فلم يوجد له شيئاً يكَّفن فيه إلا نَمِرة .. فكنا إذا وضعناها على رأسه تَعَرَّت رجلاه و إذا و ضعناها على رجليه برزت رأسه ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلَّم :" اجعلوها مما يلي رأسه ، و اجعلوا على رجليه من نبات الأذخر "..)..
و على الرغم من الألم الحزين العميق الذي سبَّبَه رُزء الرسول صلى الله عليه و سلَّم في عمِّه حمزة ، و تمثيل المشركين بجثمانه تمثيلاً أفاض دموع الرسول عليه السلام ، و أوجع فؤاده ..
و على الغم من امتلاء أرض المعركة بجثث أصحابه و أصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالماً من الصدق و الطهر و النور ..
على الرغم من كل هذا ، فقد وقف على جثمان أول سفرائه ، يودعه و ينعاه .. أجل .. وقف الرسول صلى الله عليه و سلَّم عند مصعب بن عمير و قال و عيناه تلفانه بضيائهما و حنانهما و وفائهما :
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)..
ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي كفن فيها و قال :" لقد رأيتك بمكة ، و ما بها أرق حلَّة و لا أحسن لِمَّةً منك.. ثم هاأنت ذا شعث الرأس في بُردة "..؟!
و هتف الرسول عليه السلام و قد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب و قال :
( أيها الناس زوروهم ، و أتوهم ، وسلموا عليهم ، فوالذي نفسي بيده ، لا يسلم عليهم مُسَلِّمٌ إلى يوم القيامة ، إلا ردوا عليه السلام )..
السلام عليك يا مصعب …
السلام عليكم يا معشر الشهداء…
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته | |
|